أذكر جيدا ذلك اليوم ..صراخ الفتيات.." شد الحبلة " :"البكل" التي تزين رؤوسهم و كأنه معرض للألوان ..ضحكاتهم . "سبع حجار ".. و بالأخص تنانير الأمهات "كانت الوحيدة على مستوى نظري " ان ذاك ..لم أستطع أن أرى سوى أصابع مشدودة تلتصق بهذه التنانير .. مشيت أنا و ماما الى المدرسة و كلما اقتربنا شعرت أنني أجر كل بنايات المنطقة معي و كل أشجارها و كل البشر .. وقتها كان أطول مشوار أشعر به بحياتي اللتي لم تجاوز البضع أعوام ..حاولت التملص بكل الطرق ..التمارض ..البكاء ..التوسل ..و لكن لا حياة لمن تنادي .. شعرت يومها أنه عقابي ربما لأنني قد كسرت تحفة جميلة في البيت و اتهمت أخي بذلك ....ربما لأنني جربت بالخلسة فساتين أمي و انتعلت الحذاء ذو الكعب العالي ..احتمالات كثيرة أرهقتني يومها .. لم أكن مأخوذة أبدا بألوان الصفوف .. فناء المدرسة أعجبني قليلا لأنني لمحت أشجارا شاهقة الرؤوس .. فأنا أحب النظر الى كل شيء شاهق ..كادت تنبت ابتسامة على شفتي الى أنها اختفت عندما أفلتت امي يدها و بدأت بمراسم الوداع .. هنا أدركت أنني في مكان غريب و حدي ..تمنيت لو أعود الى المنزل .. أخذت أتذكر أخي سفيان فهو يكبرني بسنتين ..كيف له أن يعود بكل تلك الفرحة كل يوم ؟! كيف له أن ينام كل يوم و هو على يقين انه ذاهب الى هذا المكان الغريب ...ارتحت قليلا عندما أخبرتني أمي أن اخوتي ..عمرو و سفيان سيتفقدونني في الاستراحة ...فعلا ما ان تبدأ الاستراحة الى أن تمتد يد عمرو من داخل ثقب في جدار عال كان يفصل بين مبنانا و يناولني "اشي زاكي " ...أذكر أول صديقة لي من المؤكد أنها لاحظت مدى احباطي و خيبتي ..كان اسمها نوار اتجهت الى امي بثقة غريبة .."خالتو أنا بدير بالي عليها " و بدأت باغرائي بالعب "الطماية " و " كمستير" لكنني سرعان ما مللت لأباشر محاولات الهرب ..لكن الحارس كان لي بالمرصاد ..الصراحة كانت"شواربه " ترعبني حاولت الهرب لأول مرة بالصف الأول ثم الثاني ..تقريبا كل يوم الى أن تم وضع حد لتصرفي في الصف الثالث ..لا أنسى شعوري عندما كنت أعبر خط الأمان ..ما بعد غرفة الحارس .. أبدأ الركض .. بفرحة عارمة .. "على أساس " أن امي ستأخذني بالأحضان ..أو أنها تنتظرني بالخارج ! و لا أنسى أيضا الألم الذي الحقة الحارس "أبو شوارب" بأذني حين جرني الى المعلمة ..لم أشعر بالخزي بالرغم من نظرات البنات و عضهم لشفتهم السفلى مع صوت غريب استوحيت منه أن ما فعلته هو مثال للطالب المشاغب ..تلك كانت أول مرة تستدعى امي الى المدرسة ...أذكر بالتحديد رائحة معلمتي الى اليوم ..و أذكر لون النجمة التي ألصقتها عنوة على جبيني عندما شاركت لأول مرة ..أذكر أيضا سندويشة اللبنة التي كانت ترسلها معي ماما كيف كنا نتشاركها مع الخيارة أنا و زميلتي في الدرج ..بالرغم من أنني تمنيت أحيانا لو أنها "مرتديلا" ..كيف أنني لم أكن مقتنعة أنها مضرة ..و أذكر أقلام صديقاتي بالأحرى صديقتي ريم ..كيف نظرت الى "مقلمتها " و كأنها الصندوق السحري .. و كيف أنني طالبت بمثل أقلامها فور ذهابي الى المنزل .. أذكر أيضا أن كتابة التعبير كانت ترهقني و بالأحرى ذلك التعبير الذي كاد أن "يوديني بداهية " عندما طلبت معلمتنا بمقارنة ولي أمرنا بشخصية عظيمة و أنا كنت أرى صور لملكنا "الملك حسين رحمه الله " على التلفاز فقررت يومها أن تعبيري سيكون كيف أن أبي أجمل ..و كيف أن عيونه أوسع و شيء من هذا القبيل ..أذكر الانزعاج و"البهدلة " و الصدمة التي ارتسمت على وجع معلمتي و لم تراعي أنني ما زلت في الصف الرابع ..و أن كل فتاة بأبيها معجبة .. و أنني على عكس رفيقاتي التي قمن بمقارنة أمهاتهم بمعلماتهم و جاراتهم ..فمت بقارنة والدي بالملك حبا فيه ..اذكر أيضا كم ضحكت المديرة حين استدعتي و رأت عيوني المنبهرة .. حينها قالت لي : اية لا يجوز أن نتكلم عن الكبار ..حتى بالتعبير .. بالرغم أن الذي كتبته كان المقصود غزل بوالدي و فقط و لاشيء بمت أبدا لا للسياسة و لا حتى بالثقافة أو الفهم مع العلم أن التعبير "كان نصه قلب حب أحمر " و جملتان فقط ..أذكر أيضا شغفي للحصول على الشنتة "الجرارة " ذات اللون الأخضر "كروهات " كيف أن حصولي عليها كان من أهم و أصعب التحديات و ذلك بسبب مبدأ والدي أن الانسان يجب أن لا يحصل على كل ما يريد بسهولة .. و يجب أن يستحق ما يأخذ ..و فعلا .. بعد محاولات اقناع شديدة و "واسطات " و بكاء له أول ما له أخر حصلت عليها و طرت من الفرحة ..أي نعم "راحت موضتها " بسرعة ! و لكنني سابقت بها كل بنات الصف و ركضت بها الى الباص و تسابقنا بالساحة"تنهلكنا " ..أذكر جيدا "حفلة تجليد " الدفاتر و الكتب قبل يوم من المدرسة
و كلما أسمع كلمة بداية العام الجديد .. و أرى "معرشات " العودة الى المدرسة ..تعود بي الذكريات لأشتم ذلك الحارس .. و أشتاق الى ذلك اليوم
و الله استمتعت بكل سطر
ردحذف:)
ذاكرة ممتازة
تصويريا ً و سردا ً ، شكرا ً للمشاركة
*سؤال: نوار ، هل ما زلت على اتصال بها ؟
عجبتني "أنا بدير بالي عليها" :)) ، هل ما يزال تواصل مع أصدقاء الطفولة المبكرة؟